فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل يتفرقون بعد الحساب أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار فلا يجتمعون أبدًا فهو قوله تعالى: {فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة} أي في جنة وقيل الروضة البستان الذي هو في غاية النضارة {يحبرون} قال ابن عباس يكرمون وقيل يتنعمون ويسرون والحبرة السرور.
وقيل في معنى يحبرون: هو السماع في الجنة.
قال الأوزاعي: ليس أحد من خلق الله أحسن صوتًا من إسرافيل فإذا أخذ في السماع قطع على أهل سبع سموات صلاتهم وتسبيحهم وقال: إذا أخذ السماع فلا يبقى في الجنة شجرة إلا وردته، وسأل أبا هريرة رجل: هل لأهل الجنة من سماع؟ فقال: نعم شجرة أصلها من ذهب وأغصانها من فضة وثمارها اللؤلؤ والزبرجد والياقوت يبعث الله ريحًا فيجاوب بعضها بعضًا فما يسمع أحد أحسن منه {وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة} أي البعث يوم القيامة {فأولئك في العذاب محضرون} قوله تعالى: {فسبحان الله} أي فسبحوا الله ومعناه صلوا لله {حين تمسون} أي تدخلون في المساء وهي صلاة المغرب والعشاء {وحين تصبحون} أي تدخلون في الصباح وهي صلاة الصبح {وله الحمد في السموات والأرض} قال ابن عباس يحمده أهل السموات والأرض ويصلون له {وعشيًّا} أي وصلوا لله عشيًّا يعني صلاة العصر {وحين تظهرون} أي تدخلون في الظهيرة وهي صلاة الظهر.
قال نافع ابن الأزرق لابن عباس: هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال: نعم وقرأ هاتين الآيتين وقال: جمعتا الصلوات الخمس ومواقيتها.
واعلم أنه خص هذه الأوقات بالتسبيح لأن أفضل الأعمال أدومها والإنسان لا يقدر أن يصرف جميع أوقاته إلى التسبيح لأنه محتاج إلى ما يعيشه من مأكول ومشروب وغير ذلك فخفف الله عنه العبادة في غالب الأوقات وأمره بها في أول النهار وفي أول الليل وآخره فإذا صلى العبد ركعتي الفجر فكأنما سبح قدر ساعتين وكذلك باقي الركعات وهي سبع عشرة ركعة مع ركعتي الفجر فإذا صلى الإنسان الصلوات الخمس في أوقاتها فكأنما سبح الله سبع عشرة ساعة من الليل والنهار بقي عليه سبع ساعات في جميع الليل والنهار وهي مقدار النوم والنائم مرفوع عنه القلم فيكون قد صرف جميع أوقاته في التسبيح والعبادة.
فصل في فضل التسبيح:
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال سبحان الله وبحمده في كل يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زيد عليه» أخرجهما الترمذي وقال فيهما حسن صحيح.
ق عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» وهذا الحديث أخرجه في صحيح البخاري.
م عن جويرية بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات غداة من عندها وهي في مسجدها فرجع بعدما تعالى النهار فقال مازلت في مجلسك هذا مذ خرجت بعد؟ قالت نعم فقال: «لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرار لو وزنت بكلماتك لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته».
م عن سعد بن أبي وقاص قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه سلم فقال: «أيعجز أحدكم أن يكتسب كل يوم ألف حسنة فسأله سائل من جلسائه قال كيف يكتسب ألف حسنة؟ قال: يسبح الله مائة تسبيحة فيكتف له ألف حسنة ويحط عنه ألف خطيئة» وفي رواية غير مسلم «يحط عنه أربعين ألفًا».
قوله تعالى: {يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي} أي يخرج النطفة من الحيوان ويخرج الحيوان من النطفة.
وقيل: يخرج الدجاجة من البيضة والبيضة من الدجاجة.
وقيل يخرج المؤمن من الكافر ويخرج الكافر من المؤمن {ويحيي الأرض بعد موتها} أي بالمطر وإخراج النبات منها {وكذلك تخرجون} أي مثل إخراج النبات من الأرض تخرجون من القبور للبعث والحساب {ومن آياته خلقكم من تراب} أي خلق أصلكم وهو آدم من تراب {ثم إذا أنتم بشر تنتشرون} أي تنبسطون في الأرض {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا} أي جنسكم من بني آدم وقيل خلق حواء من ضلع آدم {لتسكنوا إليها} أي لتميلوا للأزواج وتألفوهن {وجعل بينكم مودة ورحمة} أي جعل بين الزوجين المودة والرحمة فهما يتوادان ويتراحمان من غير سابقة معرفة ولا قرابة ولا سبب يوجب التعاطف وما شيء أحب إلى أحدهما من الآخر من غير تراحم بينهما إلا الزوجان {إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} أي في عظمة الله وقدرته {ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم} أي اختلاف اللغات العربية والعجمية وغيرهما وقيل أراد أجناس النطق وأشكاله خالف بينهما حتى لا تكاد تسمع منطقين حتى لو تكلم جماعة من وراء حائط يعرف كل منهم بنطقه ونغمته لا يشبه صوت أحد صوت الآخر {وألوانكم} أي أسود وأبيض وأشقر وأسمر وغير ذلك من اختلاف الألوان وأنتم بنو رجل واحد ومن أصل واحد وهو آدم عليه السلام.
الحكمة في اختلاف الأشكال والأصوات للتعارف أي ليعرف كل واحد بشكله وحليته وصوته وصورته فلو اتفقت الأصوات والصور وتشاكلت وكانت ضربًا واحدًا لوقع التجاهل والالتباس ولتعطلت مصالح كثيرة وليعرف صاحب الخلق من غيره والعدو من الصديق والقريب من البعيد فسبحان من خلق الخلق على ما أراد وكيف أراد.
وفي ذلك دليل على سعة القدرة وكمال العظمة {إن في ذلك لآيات للعالمين} أي لعموم العلم فيهما {ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله} أي منامكم الليل للراحة وابتغاءكم من فضله وهو طلب أسباب المعيشة بالنهار {إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون} أي سماع تدبر واعتبار {ومن آياته يريكم البرق خوفًا} أي للمسافر ليستعد للمطر {وطمعًا} أي للمقيم ليستعد المحتاج إليه من أجل الزرع وتسوية طرق المصانع {وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لأيات لقوم يعقلون} أي قدرة الله وأنه القادر عليه {ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره} قال ابن عباس وابن مسعود قامتا على غير عمد وقيل يدوم قيامهما بأمره {ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض} قال ابن عباس من القبور {إذا أنتم تخرجون} أي منها وقيل معنى الآية ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون من الأرض {وله من في السموات والأرض كل له قانتون} مطيعون قال ابن عباس كل له مطعيون في الحياة والبقاء والموت والبعث وإن عصوا في العبادة {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده} أي يخلقهم أولًا ثم يعيدهم بعد الموت للبعث {وهو أهون عليه} أي هو هين عليه وما من شيء عليه بعزيز وقيل معناه وهو أيسر عليه فإن الذي يقع في عقول الناس أن الإعادة تكون أهون من الإنشاء وقيل: هو أهون على الخلق وذلك لأنهم يقومون بصيحة واحدة فيكون أهون عليهم من أن يكونوا نطفًا ثم علقًا ثم مضغًا إلى أن يصيروا رجالًا ونساء.
وهو رواية عن ابن عباس {وله المثل الأعلى} أي الصفة العليا قال ابن عباس: ليس كمثله شيء وقيل هو الذي لا إله إلا هو {في السموات والأرض وهو العزيز} أي في ملكه {الحكيم} في خلقه.
قوله: {ضرب لكم مثلًا} أي بين لكم شبهًا بحالكم ذلك المثل {من أنفسكم} ثم بين المثل فقال تعالى: {هل لكم من ما ملكت أيمانكم} أي عبيدكم وإمائكم {من شركاء فيما رزقناكم} أي من المال {فأنتم فيه سواء} يعني هل يشارككم عبيدكم في أموالكم التي أعطيناكم {تخافونهم كخيفتكم أنفسكم} أي تخافون أن يشاركوكم في أموالكم ويقاسموكم كما يخاف الحر من شريكه الحر في المال يكون بينهما أن ينفرد فيه بأمره دون شريكه ويخاف الرجل شريكه في الميراث وهو يحب أن ينفرد به.
قال ابن عباس: تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضًا فإذا لم تخافوا هذا من مماليككم ولا ترضوه لأنفسكم فكيف ترضون أن تكون آلهتكم التي تعبدونها شركائي وهم عبيدي {كذلك نفصل الآيات} أي الدلالات والبراهين والأمثال {لقوم يعقلون} أي ينظرون في هذه الدلائل والأمثال بعقولهم {بل اتبع الذين ظلموا} يعني أشركوا بالله {أهواءهم} أي في الشرك {بغير علم} جهلًا بما يجب عليهم {فمن يهدي من أضل الله} أي عن طريق الهدى {وما لهم من ناصرين} أي مانعين يمنعونهم عن عذاب الله.
قوله تعالى: {فأقم وجهك للدين} يعني أخلص دينك لله وقيل سدد عملك والوجه ما يتوجه إلى الله تعالى به الإنسان ودينه وعمله مما يتوجه إليه ليسدده قوله تعالى: {حنيفًا} أي مائلًا إليه مستقيمًا عليه {فطرة الله} أي دين الله والمعنى الزموا فطرة {الله التي فطر الناس عليها} قال ابن عباس خلق الناس عليها والمراد بالفطرة الدين وهو الإسلام.
ق عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة ثم قال اقرؤوا {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم}» زاد البخاري «فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسن فيها من جدعاء» ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا فطرة الله الآية ولهما في رواية قالوا: يا رسول الله أفرأيت من يموت صغيرًا قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» قوله: «ما من مولود يولد إلا على الفطرة» يعني على العهد الذي أخذ الله عليهم بقوله: {ألست بربكم قالوا بلى} فكل مولود في العالم على ذلك الإقرار وهي الحنيفية التي وضعت الخلقة عليها وإن عبد غير الله قال الله تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله} ولكن لا اعتبار بالإيمان الفطري في أحكام الدنيا وإنما يعتبر الإيمان الشرعي المأمور به المكتسب بالإرادة والفعل ألا ترى ألى قوله: «فأبواه يهودانه أو ينصرانه» فهو مع وجود الإيمان الفطري فإنه محكوم له بحكم أبويه الكافرين وهذا معنى قول النبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «يقول الله: إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم» وحكي عن عبد الله بن المبارك أنه قال: معنى الحديث أن كل مولود يولد على فطرته أي خلقته التي خلقه الله عليها في علم الله تعالى من السعادة والشقاوة فكل منهم صائر في العاقبة إلى ما فطر عليه وعامل في الدنيا بالعمل المشاكل لها فمن أمارات الشقاوة للطفل أن يولد بين يهوديين أو نصرانيين فيحملانه على اعتقاد دينهما.
وقيل معناه أن كل مولود في مبدأ الخلقة على الفطرة أي على الجبلة السليمة والطبع المتهيىء لقبول الدين، فلو ترك عليها لاستمرت على لزومها لأن هذا الدين موجود حسنه في العقول السليمة وإنما يعدل عنه من عدل إلى غيره لأنه من آفات التقليد ونحوه فمن سلم من تلك الآفات لم يعتقد غيره.
ثم تمثل لأولاد اليهود والنصارى واتباعهم لآبائهم والميل إلى أديانهم فيزلون بذلك عن الفطرة السليمة والحجة المستقيمة بقوله: «كما تنتج بهيمة جمعاء».
أي كما تلد البهيمة بهيمة مستوية لم يذهب من بدنها شيء وقوله: «هل تحسون فيها من جدعاء» يعني هل تشعرون أو تعلمون فيها من جدعاء وهي المقطوعة الأذن والأنف.
قوله: {لا تبديل لخلق الله} أي لا تبدلوا دين الله وقيل معنى الآية الزموا فطرة الله ولا تبدلوا التوحيد بالشرك.
وقيل معنى لا تبديل لخلق الله هو جبل عليه الإنسان من السعادة والشقاوة فلا يصير السعيد شقيًا ولا الشقي سعيدًا.
وقيل الآية في تحريم إخصاء البهائم {ذلك الدين القيم} أي المستقيم {ولكن أكثر الناس لا يعلمون}. اهـ.

.قال النسفي:

{الم غُلبَت الروم} أي غلبت فارس الروم {فى أَدْنَى الأرض} أي في أقرب أرض العرب لأن الأرض المعهودة عند العرب أرضهم، والمعنى غلبوا في أدنى أرض العرب منهم وهي أطراف الشام، أو أراد أرضهم على إنابة اللام مناب المضاف إليه أي في أدنى أرضهم إلى عدوهم {وَهُمْ} أي الروم {مّن بَعْد غَلَبهمْ} أي غلبة فارس إياهم.
وقرىء بسكون اللام فالغلب والغلب مصدران وقد أضيف المصدر إلى المفعول {سَيَغْلبُونَ} فارس، ولا وقف عليه لتعلق {فى بضْع سنينَ} به، وهو ما بين الثلاث إلى العشرة.
قيل: احتربت فارس والروم بين أذرعات وبصرى فغلبت فارس الروم والملك بفارس يومئذ كسرى ابرويز فبلغ الخبر مكة فشق على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لأن فارس مجوس لا كتاب لهم والروم أهل كتاب، وفرح المشركون وشمتوا وقالوا: أنتم والنصارى أهل كتاب ونحن وفارس أميون وقد ظهر إخواننا على إخوانكم ولنظهرن نحن عليكم فنزلت.
فقال لهم أبو بكر: والله ليظهرن الروم على فارس بعد بضع سنين، فقال له أبيّ بن خلف: كذبت فناحبه على عشر قلائص من كل واحد منهما وجعل الأجل ثلاث سنين، فأخبر أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام: «زد في الخطر وأبعد في الأجل» فجعلاها مائة قلوص إلى تسع سنين.
ومات أبيّ من جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية أو يوم بدر فأخذ أبو بكر الخطر من ذرية أبيّ فقال عليه السلام: «تصدق به» وهذه آية بينة على صحة نبوته وأن القرآن من عند الله لأنها إنباء عن علم الغيب وكان ذلك قبل تحريم القمار.
عن قتادة ومن مذهب أبي حنيفة ومحمد أن العقود الفاسدة كعقد الربا وغيره جائزة في دار الحرب بين المسلمين وقد احتجا على صحة ذلك بهذه القصة.
{للَّه الأمر من قَبْلُ وَمن بَعْدُ} أي من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء أو حين غلبوا وحين يغلبون كأنه قيل: من قبل كونهم غالبين وهو وقت كونهم مغلوبين، ومن بعد كونهم مغلوبين وهو وقت كونهم غالبين يعني أن كونهم مغلوبين أولًا وغالبين آخرًا ليس إلا بأمر الله وقضائه {وَتلْكَ الأيام نُدَاولُهَا بَيْنَ الناس} [آل عمران: 140] {وَيَوْمَئذٍ} ويوم تغلب الروم على فارس ويحل ما وعد الله من غلبتهم {يَفْرَحُ المؤمنون بنصر الله}.
وتغليبه من له كتاب على من لا كتاب له وغيظ من شمت بهم من كفار مكة.
وقيل: نصر الله هو إظهار صدق المؤمنين فيما أخبروا به المشركين من غلبة الروم، والباء يتصل ب {يفرح} فيوقف على {الله} على المؤمنين {ينصُر مَنْ يشاء وهو العزيز} الغالب على أعدائه {الرحيم} العاطف على أوليائه {وَعَدَ الله} مصدر مؤكد لأن قوله: {وهم من بعد غلبهم سيغلبون} وعد من الله للمؤمنين، فقوله: {وعد الله} بمنزلة وعد الله المؤمنين وعدًا {لاَ يُخْلفُ الله وَعْدَهُ} بنصر الروم على فارس {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} ذلك {يَعْلَمُونَ} بدل من {لا يعلمون} وفيه بيان أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز عن تحصيل الدنيا.
وقوله: {ظَاهرًا مّنَ الحياة الدنيا} يفيد أن للدنيا ظاهرًا وباطنًا، فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها، وباطنها أنها مجاز إلى الآخرة يتزود منها إليها بالطاعة وبالأعمال الصالحة.
وتنكير الظاهر يفيد أنهم لا يعلمون إلا ظاهرًا واحدًا من جملة ظواهرها {وَهُمْ عَن الآخرة هُمْ غافلون} {هم} الثانية مبتدأ و{غافلون} خبره والجملة خبر {هم} الأولى، وفيه بيان أنهم معدن الغفلة عن الآخرة ومقرها.
{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا في أَنفُسهمْ} يحتمل أن يكون ظرفًا كأنه قيل: أولم يثبتوا التفكير في أنفسهم أي في قلوبهم الفارغة من الفكر والتفكر لا يكون إلا في القلوب، ولكنه زيادة تصوير لحال المتفكرين كقوله اعتقده في قلبك، وأن يكون صلة للتفكر نحو تفكر في الأمر وأجال فيه فكره، ومعناه على هذا: أولم يتفكروا في أنفسهم التي هي أقرب إليهم من غيرها من المخلوقات وهم أعلم بأحوالها منهم بأحوال ما عداها، فيتدبروا ما أودعها الله ظاهرًا وباطنًا من غرائب الحكمة الدالة على التدبير دون الإهمال، وأنه لابد لها من الانتهاء إلى وقت تجازى فيه على الإحسان إحسانًا وعلى الإساءة مثلها حتى يعلموا عند ذلك أن سائر الخلائق كذلك أمرها جارٍ على الحكمة في التدبير، وأنه لابد لها من الانتهاء إلى ذلك الوقت؟ {مَّا خَلَقَ الله السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} متعلق بالقول المحذوف معناه: أولم يتفكروا فيقولوا هذا القول؟ وقيل: معناه فيعلموا لأن في الكلام دليلًا عليه {إلاَّ بالحق وَأَجَلٍ مُّسَمًى} أي ما خلقها باطلًا وعبثًا بغير حكمة بالغة ولا لتبقى خالدة، إنما خلقها مقرونة بالحق مصحوبة بالحكمة وبتقدير أجلٍ مسمى لابد لها من أن تنتهي إليه وهو قيام الساعة ووقت الحساب والثواب والعقاب، ألا ترى إلى قوله: {أَفَحَسبْتُمْ أَنَّمَا خلقناكم عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] كيف سمى تركهم غير راجعين إليه عبثًا {وَإنَّ كَثيرًا مّنَ الناس بلقَاء رَبّهمْ} بالبعث والجزاء {لكافرون} لجاحدون.